لكل منا (أو ربما معظمنا) تجربة مع ذاك الشخص الذي يتقن فن التهرب. ذاك الذي يلوح بالوعود، لكن أفعاله تظل خافتة، بعيدة. قد يكون زميل عمل، صديق مقرب، أو حتى فرد من العائلة. إنها مشكلة قديمة؛ أن تجد أحدهم يزيح الحمل عن كتفيه، يدفع به نحو الآخرين، بينما تظل قائمة المهام كما هي، أو تزداد. هذا المقال يقدم بعض الأفكار، خطوطًا عريضة لمساعدتك في مواجهة هذه المعضلة بهدوء وحكمة.
لماذا يتجنب البعض مسؤولياتهم؟
فهم الأسباب، هذا هو المفتاح. هناك عدة بوابات تقود إلى التهرب. بعضهم (وهذا شائع جدًا) يخاف من الفشل. الخوف من الخطأ قد يجعله يفضل عدم البدء على الإطلاق. إنه يخشى النقد، أو حتى مجرد الشعور بالنقص. وغيرهم لا يمتلكون المهارات الكافية لإتمام المهمة، لكنهم لا يجدون الشجاعة ليقولوا ذلك. يشعرون بالحرج، فيصمتون، ويتركون الأمور تتراكم. أيضًا، هناك من يرى أن التهرب هو وسيلة للسيطرة، أو قد يكون سلوكًا مكتسبًا من بيئة اعتادت على القيام بأعماله. تخيل طفلًا لم يُطلب منه قط ترتيب غرفته. هو يكبر، وهذه الفكرة تبقى معه. ثم تجد بعض النفوس، وهذه حقيقة، التي لا تبالي ببساطة. هم لا يرون أن التزاماتهم ضرورية، أو أن عواقب التهرب ليست خطيرة عليهم بقدر ما هي عليك. وهذه الفروقات الدقيقة هي التي تجعل كل حالة فريدة، وتتطلب مقاربة خاصة. أحيانًا، يكون الكسل البسيط هو الدافع. هذا هو الأقل تعقيدًا، والأكثر إزعاجًا في نفس الوقت. الكسل، إنه ثقل حقيقي.
إشارات حمراء: كيف تعرف أنك أمام مراوغ؟
توجد علامات، واضحة مثل ضوء الإشارة الحمراء. أولها وأبرزها، هو «الأعذار المتكررة». دائمًا ما تجد لديه قصة جديدة، سببًا منطقيًا (في رأيه) لعدم إنجاز ما عليه. الطقس، الظروف العائلية، الحمل الزائد من عمل آخر، أو حتى خطأ من طرف شخص آخر. (إنها حيلة قديمة، أليس كذلك؟). ثانيًا، «التأجيل المستمر». المهام تظل معلقة، تتراكم، وتُدفع للمستقبل. كلمة «لاحقًا» تصبح شعاره الدائم. ثالثًا، «لوم الآخرين». إذا حدث خطأ، فالتقصير ليس منه أبدًا. هو دائمًا الضحية، أو أن شخصًا آخر لم يقدم له الدعم الكافي. رابعًا، «الوعود الفارغة». يطلق العنان للوعود، لكنها تتبخر كالبخار مع شروق الشمس. يقول «سأفعلها غدًا»، لكن الغد يأتي ولا يفعل شيئًا. خمسًا، «غياب المتابعة». لا يهتم بتفاصيل ما أوكل إليه، ولا يسعى لمعرفة ما إذا كان قد أُنجز أم لا. هذا يظهر بوضوح في بيئات العمل، حيث تجد مشروعًا كاملاً يتوقف بسببه. وأخيرًا، «الاستجابة الباردة». عندما تواجهه، قد يتجاهل الأمر، يغير الموضوع، أو حتى يظهر انزعاجًا خفيفًا. تلك علامات، يجب أن نراها.
استراتيجيات للتعامل مع المراوغين بفعالية
التعامل مع من يتجنب المسؤولية يتطلب صبرًا، ونهجًا واضحًا. لا تترك الأمور للعشوائية.
1. تحديد التوقعات بوضوح تام
قبل أي شيء، يجب أن تكون المهام محددة بدقة. ما هو المطلوب؟ متى يجب أن يُنجز؟ وما هي النتائج المتوقعة؟ اكتبها إن استطعت. اجعلها نقاطًا لا مجال لتفسيرات متعددة فيها. لا تدع مساحة للغموض. الغموض هو تربة خصبة للتهرب. واجههم بما يجب عليهم فعله، لا تلمح، بل قلها مباشرة. وضح أن هذه مهمة، وليست خيارًا. بعض الناس يحتاجون للحدود كالأطفال. قل لهم: «هذا هو المطلوب منك، وهذا هو الموعد النهائي.»
2. وضع عواقب واضحة ومحددة
ماذا سيحدث إذا لم يتم إنجاز المهمة؟ يجب أن يكون هذا واضحًا، ومن الأفضل أن يُتفق عليه مسبقًا. العواقب ليست دائمًا سلبية تمامًا؛ قد تكون حرمانًا من فرصة مستقبلية، أو تأثيرًا على سمعتهم. في بيئة العمل، قد يعني ذلك تقييمًا سيئًا، أو عدم الحصول على ترقية. في العلاقات الشخصية، قد يعني ذلك أنك لن تعتمد عليهم في أمور مهمة مرة أخرى. تطبيق العواقب بصرامة يعلمهم أن التهرب له ثمن. ولا تتردد في تطبيقها. التردد هنا، هو إشارة ضعف.
3. التواصل المباشر والبنّاء
تحدث معهم بصراحة، لكن بهدوء. ركز على السلوك نفسه، لا على الشخص. بدلًا من قول «أنت دائمًا متهرب»، قل «لاحظت أن المهمة الفلانية لم تُنجز في موعدها». اسألهم عن السبب، واستمع جيدًا لإجاباتهم. قد تكون هناك أسباب حقيقية، أو مجرد أعذار (وهذا وارد). الأهم هو أن تظهر لهم أنك لاحظت، وأنك تأخذ الأمر بجدية. هذا يضع الكرة في ملعبهم. ولا تسمح بتغير الموضوع.
4. تقديم الدعم والموارد اللازمة (إذا كان السبب نقص المهارة)
إذا كان السبب هو نقص في المهارة أو المعرفة، فكر في تقديم الدعم. هل يحتاجون إلى تدريب؟ هل يمكن لشخص آخر مساعدتهم في البداية؟ أحيانًا، يكون الخوف من عدم القدرة على الأداء هو المحرك الأساسي للتهرب. تقديم يد المساعدة هنا يمكن أن يغير المعادلة تمامًا. لكن احذر، لا تدعهم يستغلون هذا الدعم للتهرب مجددًا. الدعم يجب أن يكون محددًا بمدة أو مهمة.
5. متابعة مستمرة وتوثيق التقدم
لا تترك الأمور للمصادفة. تابع بانتظام. اسأل عن التقدم. سجل الاتفاقيات والمهام والمواعيد النهائية. هذا التوثيق ليس فقط لحمايتك، بل هو أيضًا تذكير قوي لهم. عندما يعلمون أن هناك سجلًا، وأن هناك من يراقب، فإن احتمالية التزامهم تزداد. المتابعة هي مثل شبكة الأمان، تمنعهم من السقوط مجددًا في بئر التهرب.
6. اعرف متى تتوقف وتضع حدودًا
ليس كل شخص يرغب في التغيير، وبعض العلاقات قد تكون مرهقة جدًا. إذا جربت كل الطرق، وظل الشخص يتهرب، فقد حان الوقت لإعادة تقييم العلاقة. في العمل، قد يعني هذا تصعيد الأمر للمسؤولين. في العلاقات الشخصية، قد يعني ذلك تقليل اعتمادك على هذا الشخص، أو حتى إنهاء العلاقة إذا كانت تسبب لك ضررًا كبيرًا. يجب أن تعرف متى تضع حدودًا لحماية نفسك وطاقتك. لا تدع أحدًا يستنزفك. صحتك النفسية أولًا. تذكر أنك لست مسؤولًا عن إنقاذ كل من حولك.
التعامل مع المراوغ يتطلب صبرًا، وذكاءً. هو فن بحد ذاته. هو لا يعني الصراع، بل يعني وضع خطوط واضحة، والمضي قدمًا بثقة. وهذا ما يجب علينا فعله، دومًا.