المجتمع قوة: معاً ضد السلوكيات الخاطئة

اكتشف كيف يساهم الأفراد والمؤسسات في بناء مجتمع أفضل عبر التصدي للسلوكيات السلبية. دليل شامل لتعزيز القيم والإيجابية.

 

أيدي متشابكة ترمز لوحدة المجتمع ضد السلوكيات السلبية

المجتمع قوة: معاً ضد السلوكيات الخاطئة وحمايتنا المشتركة. لقد قمت بزيارة الكثير من المجتمعات (صدقني، رأيت تنوعاً كبيراً)، وفي كل مكان، يظل السؤال ذاته قائماً: كيف نحمي أنفسنا وأطفالنا من التصرفات التي تضر بالجميع؟ ليس بالأمر السهل، أليس كذلك؟

السلوكيات الخاطئة ليست مجرد مشكلة فردية. إنها تشبه تلك الشرارة الصغيرة التي، إذا لم ننتبه لها، قد تتسبب في حريق كبير يمس الكل. ولنقلها بصراحة: لا يمكن لدولة وحدها، ولا حتى لأفضل القوانين، أن تضبط كل صغيرة وكبيرة في حياة الناس دون مساعدة من أصحاب هذه الحياة. هنا يظهر "الدور المجتمعي" بوضوح. إنه يشبه تلك الأيادي المتكاتفة حين يرتفع شيء ثقيل.

ما الذي نقصده "بالسلوكيات الخاطئة"؟

قبل أن نبدأ في الحديث عن العلاج، دعونا نحدد المرض. عندما نتحدث عن "سلوكيات خاطئة"، فالمقصود هنا هو كل فعل أو تصرف يخرج عن قيمنا وأخلاقنا، يضر بالآخرين أو بالمصلحة العامة. يمكن أن يكون هذا صغيراً، مثل إلقاء القمامة في الشارع أو التعدي اللفظي في الأماكن العامة. وقد يكون كبيراً، مثل التنمر الإلكتروني، أو الغش في العمل، أو حتى انتشار الشائعات التي تسبب الضرر (وكم رأينا من هذا مؤخراً!). والحدود، في أغلب الأحيان، واضحة جداً، ألا توافق؟

المهم أن هذه السلوكيات ليست حكراً على فئة عمرية أو اجتماعية معينة. إنها موجودة أينما وُجد الناس، وتتغير أشكالها مع تغير الزمن، لكن جوهرها يبقى واحداً: خرق المعيار المقبول.

جذور المشكلة: لماذا تحدث هذه السلوكيات؟

وهنا السؤال الحقيقي: لماذا يفعل الناس هذه الأشياء؟ الأمر لا يقتصر دائماً على سوء النية. أحياناً، تكون الأسباب عميقة جداً. قد تبدأ من بيئة منزلية لا توفر الحب الكافي أو التوجيه الصحيح. وقد يكون السبب هو الضغوط الاجتماعية التي تدفع الفرد لمجاراة السلوكيات السلبية كي لا يشعر بالوحدة. غياب الوعي، مثلاً، حول عواقب بعض الأفعال، يلعب دوراً. وربما الفراغ، أو البحث عن المتعة السريعة دون التفكير في تبعاتها. كل هذه العوامل، كخيوط متشابكة، قد تنسج معاً سلوكاً غير مرغوب فيه. (وقد يكون الملل أيضاً سبباً، لا ننسى ذلك).

دورنا الجماعي: كيف يتجلى؟

إذاً، كيف يمكن للمجتمع، بكل أفراده ومؤسساته، أن يقف سداً منيعاً ضد هذه الأفعال؟ الأمر يتطلب عملاً متناسقاً، ومسؤولية جماعية.

1. البيت أولاً: الأساس المتين

المنزل هو المدرسة الأولى. عندما يرى الطفل والديه يحترمان الآخرين، ويحرصان على الصدق، فإنه يتعلم ذلك بشكل طبيعي. القدوة هنا ليست مجرد كلمة؛ إنها حياة تُعاش أمام الأبناء. الحوار الأسري المفتوح، حيث يسمح للأطفال بالتعبير عن أفكارهم ومخاوفهم، يبني شخصية واثقة وقادرة على التمييز بين الصواب والخطأ. وهذا يخلق جيلاً يعرف حدوده وحدود الآخرين. بسيط، لكنه قوي جداً.

2. المدرسة والجامعة: بناء الوعي

المؤسسات التعليمية ليست فقط لتعليم الحساب والقراءة. إنها مكان لصقل الشخصية وبناء القيم. المنهج الدراسي، الأنشطة اللاصفية، والمعلمون أنفسهم، كلهم يؤثرون. عندما تركز المدارس على تعليم الأخلاق، وتوفر بيئة آمنة للطلاب، وتكافح التنمر، فإنها تزرع بذور السلوكيات الجيدة. الجامعات بدورها، يمكنها إعداد قادة مجتمعيين واعين ومسؤولين. هذا هو الاستثمار الحقيقي في المستقبل، أليس كذلك؟

3. الإعلام الجديد والقديم: مرآة وموجه

الإعلام، سواء كان تلفزيوناً قديماً أو منصات تواصل اجتماعي حديثة، يمتلك قوة جبارة. يمكنه أن يكون مرآة تعكس الواقع، أو موجهاً يرسم الطريق. المحتوى المسؤول، الذي يبرز النماذج الإيجابية ويقدم حلولاً للمشكلات الاجتماعية، هو ما نحتاجه. صناع المحتوى (وأنا منهم أحياناً، وإن كنت أكتب فقط) لديهم مسؤولية كبيرة هنا. وكم من شائعة هُدِمت بسبب كلمة حق خرجت من وسيلة إعلامية واعية!

4. المساجد والجمعيات: روح التآزر

دور المؤسسات الدينية والجمعيات الأهلية لا يمكن إغفاله. الخطب والمواعظ في المساجد يمكن أن تذكر الناس بالقيم الدينية والأخلاقية. الجمعيات الخيرية والتطوعية، عبر مبادراتها وأعمالها، تقدم نموذجاً عملياً للتكافل والتعاون، وتوجه طاقات الشباب نحو ما هو مفيد. هذه الأماكن هي نبض المجتمع الحقيقي.

5. دور الفرد: الشرارة الأولى

لكن في النهاية، كل هذا يبدأ بالفرد. أنت وأنا. مسؤوليتنا الشخصية لا تقل أهمية عن مسؤولية المؤسسات. أن تكون إيجابياً، أن تبادر بكلمة طيبة، أن ترفض سلوكاً خاطئاً تراه أمامك (وليس بالصمت فقط)، أن تكون قدوة لأبنائك وجيرانك. هذه الشرارة الفردية، عندما تتعدد، تضيء المجتمع كله. فكر في الأمر، حتى ابتسامة عابرة قد تغير يوم أحدهم.

خطوات عملية نحو التغيير

الكلام وحده لا يكفي، يجب أن يكون هناك عمل ملموس.

أ. التوعية المستمرة: لا نتوقف

نحن بحاجة إلى ورش عمل، حملات توعية مستمرة، وقصص ملهمة تروى. الناس يتعلمون من القصص، ويتأثرون بها. هذه الحملات يجب أن تكون سهلة الوصول، ومناسبة لكل الأعمار، حتى لا يغيب الوعي أبداً. (مثل قطرات الماء التي تحفر الصخر، بالتكرار).

ب. تقديم البدائل الإيجابية: طريق مختلف

عندما نطلب من شخص أن يتوقف عن سلوك معين، يجب أن نقدم له بديلاً أفضل. نوفر الأنشطة الرياضية، الفنية، الثقافية، فرص التطوع، والهوايات التي تشغل الشباب وتوجه طاقاتهم نحو الإبداع بدلاً من التدمير. هذا يعطيهم مساراً مختلفاً.

ج. الدعم والاحتواء: لمن أخطأ

الخطأ وارد، والإنسان ليس معصوماً. المجتمع القوي هو الذي لا يطرد من أخطأ، بل يقدم له يد العون وفرصة ثانية. برامج إعادة التأهيل، الدعم النفسي، والاحتواء الاجتماعي، كلها تساعد الأفراد على العودة للطريق الصحيح. هؤلاء جزء منا.

د. سن القوانين وتطبيقها: الحدود واضحة

بالطبع، لا غنى عن دور الجهات الرسمية. القوانين التي تضع حدوداً واضحة للسلوكيات المقبولة وغير المقبولة، وتطبيق هذه القوانين بعدالة وشفافية، هو عامل ردع مهم. (ولا أحد يحب تجاوز الحدود، أليس كذلك؟).

تحديات الطريق

لكن الطريق ليس مفروشاً بالورود. هناك تحديات. اللامبالاة، مثلاً، هي عدو صامت. مقاومة التغيير من بعض الأفراد أو الجماعات، وغياب التنسيق الفعال بين الجهات المختلفة، كلها عقبات يجب تجاوزها. ولكن، بما أن المجتمع هو من يتصدى، فإنه أيضاً يجد الحلول.

حصاد الجهد: مجتمع أفضل

عندما يعمل الجميع معاً، يكون الحصاد وفيراً. مجتمع أكثر أماناً، تسوده الثقة والاحترام. جيل واعٍ، يفهم المسؤولية، ويساهم في بناء مستقبله. بيئة يسودها السلام والتعاون. إنها ليست مجرد أحلام، بل واقع يمكننا صنعه بأيدينا وعقولنا.

دعونا لا ننتظر من أحد أن يبدأ. ابدأ أنت. ابدأ بابتسامة، بكلمة، بموقف. فالقوة الحقيقية للمجتمع تكمن في تآزر أفراده، يداً بيد، وقلباً بقلب، لنواجه معاً كل سلوك خاطئ. هذه ليست مهمة، بل هي ضرورة لاستمرارنا كبشر محترمين. وصدقني، الأمر يستحق الجهد.